روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | معايير الانتخاب.. في الشريعة الإسلامية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > معايير الانتخاب.. في الشريعة الإسلامية


  معايير الانتخاب.. في الشريعة الإسلامية
     عدد مرات المشاهدة: 2322        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
 
الانتخاب في الشريعة الإسلامية تمر مصرنا الحبيبة هذه الأيام بحراك سياسي وفكري استعدادًا لخوض غمار انتخابات مجلسي الشعب والشورى.

وفي خضم هذا الحراك نسمع صيحات أو شعارات من بعض المرشحين أو التيارات السياسية أنهم الأولى لعلمهم وصلاحهم ونحو ذلك من الأسباب، كما نسمع فريقًا آخر ينادي بالعلمانية وانتهاج الليبرالية مسلكًا لإدارة الدولة مستقبلًا.
 
وكلا الفريقين-إن كان من المسلمين أو من غيرهم- مجانب للصواب.
 
وواجب على حماة الشريعة وأهل العلم أن يصححوا منحى هذه الأفكار التي حكمت على خاتمة الرسالات السماوية.

إما بعدم الموضوعية حينما نولي أو نختار رجلًا صالحًا تقيًّا أو عالمًا ربانيًّا لكنه لا يفقه شيئا في المجال الذي نرشحه له.

وإما بعدم صلاحية الشريعة لتنظيم شئون العباد أو سياسة الدولة وإنما هي شريعة للعبادة فقط ولا دخل لها في السياسة أو المعاملات ونحوها.
 
وفي ذلك حكم بنقصان شرع الله تعالى الذي أكمله جل وعلا في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
 
ومما يؤكد انحراف هذين الفكرين عن جادة الصواب هذه الأدلة من الكتاب والسنة التي تحدد معايير الانتخاب في الشريعة الإسلامية والتي نذكر منها ما يلي:
 
أولًا: معايير الانتخاب في القرآن الكريم:

نحن نعلم أن الانتخاب لغة الاختيار والانتقاء، هذا الاختيار يحتاج إلى طرفين؛ الأول مَن يقوم به وهو الذي يختار غيره لتولي مهمة من المهام أو وظيفة من الوظائف.

وذلك يتحقق في الحكام والقادة والوزراء ورجال الإدارة ونحوهم، كما يتحقق ذلك في المواطن الذي يختار من يمثله في المجالس النيابية أو المحلية ونحوها.
 
والطرف الثاني من يقع عليه الاختيار أو الانتخاب، وهو الإنسان المرشح لمهمة أو وظيفة (المنتخب) بفتح الخاء.
 
هذا المرشح بعد البحث والدراسة وجدنا أن القرآن الكريم وضع له معايير أو صفات تتناسب والمهمة المرشح لها، ويكفينا في هذا المقام إيراد أربعة معايير:

المعيار الأول: الحفظ.

المعيار الثاني: العلم.
 
ورد ذلك في قوله تعالى –حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام-: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]. لقد وصف سيدنا يوسف عليه السلام نفسه بصفات من صفات الولاية وهي الحفظ والعلم.

ولم يذكر أهم الصفات التي انفرد بها عن غيره وهي الرسالة أو النبوة؛ مما يؤكد أن معيار اختيار مثل هذه المهمة التي تعادل وزارة الاقتصاد أو المالية أو رئاسة الوزراء هو الأصلح والأكفأ لأداء هذه المهمة.
 
وفي ذلك يقول الفخر الرازي رحمه الله: ولم يقل إني حسيب نسيب فصيح مليح[1].
 
ويقول الزمخشري رحمه الله تعالى: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ}: ولني خزائن أرضك، {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}: أمين أحفظ ما تستحفظنيه، عالم بوجوه التصرف، وصفًا لنفسه بالأمانة والكفاية اللتين هما طلبة الملوك ممن يولونه.

وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى وإقامة الحق وبسط العدل، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد.

ولعلمه أنَّ أحدًا غيره لا يقوم مقامه في ذلك، فطلب التولية ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا[2].
 
ويقول ابن كثير رحمه الله تعالى: فقال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جُهِل أمره، للحاجة. وذكر أنه {حَفِيظٌ} أي: خازن أمين، {عَلِيمٌ}: ذو علم وبصرَ بما يتولاه[3].
 
ويقول القرطبي رحمه الله تعالى: الثاني- أنه لم يقل: إني حسيب كريم.

وإن كان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"، ولا قال: إني جميل مليح، إنما قال: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، فسألها بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال.
 
الثالث- إنما قال ذلك عند من لا يعرفه فأراد تعريف نفسه، وصار ذلك مستثنى من قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32].
 
الرابع- أنه رأى ذلك فرضًا متعينًا عليه؛ لأنه لم يكن هنالك غيره، وهو الأظهر، والله أعلم[4].
 
المعيار الثالث: القوة.

المعيار الرابع: الأمانة.
 
ورد ذلك في قوله تعالى حكاية عن بنت سيدنا شعيب عليه السلام: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} [القصص: 26].
 
ومن هذه الآية نستخرج أهم صفات الأجير أو المستأجر ومنها القوة والأمانة، وعدها ابن مسعود-رضي الله عنه- فراسة للمرأة التي قالت ذلك، فقد روي عنه أنه قال: أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21].

والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى عليه السلام: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} [القصص: 26]، وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما[5].
 
ويقول البغوي رحمه الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} اتخذه أجيرًا ليرعى أغنامنا، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} يعني: خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة.

فقال لها أبوها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته، فإنه رفع حجرًا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل: إلا أربعون رجلًا. وأما أمانته، فإنه قال لي: امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك[6].
 
ويقول النسفي رحمه الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} اتخذه أجيرًا لرعي الغنم. رُوي أن كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء، وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها.

{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} فقال: وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه.

وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان. وقولها: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} كلام جامع؛ لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك.

وقيل: القوي في دينه، الأمين في جوارحه. وقد استغنت بهذا لكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته[7].
 
ثانيًا: معايير الانتخاب في السنة المطهرة:

لقد حوت السنة المطهرة العديد من المعايير والقواعد والأصول في هذا المقام، نذكر منها ما يلي:
 
المعيار الأول: تولية من كان أهلًا للولاية والحكم:

حيث منع النبي صلى الله عليه وسلم تولية أبي ذر-رضي الله عنه- حينما طلب الإمارة.

وقال: "قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها"[8].
 
المعيار الثاني: مراعاة التخصص في الولاية:

لقد تميز بعض الصحابة-رضي الله عنهم- بصفات ليست عند غيرهم.

ولا يعني ذلك أفضلية لهم عن غيرهم، وإنما هي تزكية لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب الذي ميزوا به إشارة إلى أنه يجب أن تكون لهم الريادة في ذلك، والرجوع إليهم في تخصصاتهم.
 
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"[9].
 
المعيار الثالث: تولية الأصلح والأكفأ:

ثبت في السنة المطهرة أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار بعضًا من الصحابة-رضي الله عنهم- مع وجود الأفضل منهم؛ لأنهم الأصلح والأكفأ لأداء المهمة التي اختيروا إليها، ونذكر من هذه الاختيارات ما يلي:
 
الموضع الأول: اختيار مصعب بن عمير-رضي الله عنه- كأول داعٍ إلى الله عز وجل في المدينة المنورة.
 
وفي ذلك يقول ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُم الْقُرْآنَ، وَيُعَلّمَهُم الإِسْلامَ وَيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ، فَكَانَ يُسَمَّى الْمُقْرِئَ بِالْمَدِينَةِ[10].
 
الموضع الثاني: اختيار علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- لقيادة الجيش يوم فتح خيبر.
 
وفي ذلك أخرج البخاري-رحمه الله- عن سهل بن سعد-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
 
قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه.

قال: فأرسل إليه فأتى، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.

فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه.

فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"[11].
 
وفعلًا تم الفتح على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
 
الموضع الثالث: اختيار بلال بن رباح-رضي الله عنه- مؤذنًا بدلًا من صاحب الرؤيا لنداوة صوته.
 
فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلى الصَّلاةِ. قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ..
 
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: "إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ". فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلِلَّهِ الْحَمْدُ"[12].
 
الموضع الرابع: اختيار الإمام للصلاة:

وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة.

فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا[13]، ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه". قال الأشج في روايته-مكان سلمًا- سنًّا[14].
 
الموضع الخامس: اختيار الصحابي الجليل أسامة بن زيد-رضي الله عنه- لقيادة الجيش المتجه إلى حدود الروم.
 
وفي ذلك يقول ابن سعد في طبقاته: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأمره أن يُغير على أُبنى من ساحل البحر، قال هشام: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر الرجل أعلمه وندب الناس معه.

قال: فخرج معه سروات الناس وخيارهم ومعه عمر، قال: فطعن الناس في تأمير أسامة. قال: فخطب رسول الله عليه السلام، فقال: "إن ناسًا طعنوا في تأميري أسامة كما طعنوا في تأميري أباه، وإنه لخليق للإمارة وإن كان لأحب الناس إليَّ من بعد أبيه، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرًا"[15].
 
ثالثًا: أقوال العلماء في اختيار الأصلح:

لقد صار علماء الأمة على هدي القرآن والسنة في ضرورة مراعاة الأصلح لأي وظيفة أو مهمة، وجعله المعيار الأهم في الاختيار، ونذكر من هؤلاء العلماء من يلي:
 
الأول: أبو الحسن الماوردي رحمه الله تعالى:

يقول رحمه الله:

فَأَمَّا أَهْلُ الاخْتِيَارِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ ثَلاثَةٌ؛

أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ الْجَامِعَةُ لِشُرُوطِهَا. وَالثَّانِي: الْعِلْمُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى مَعْرِفَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الإِمَامَةَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا. وَالثَّالِثُ: الرَّأْيُ وَالْحِكْمَةُ الْمُؤَدِّيَانِ إلى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلإِمَامَةِ أَصْلَحُ، وَبِتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ أَقْوَمُ وَأَعْرَفُ، وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ فِي بَلَدِ الإِمَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِلادِ فَضْلُ مَزِيَّةٍ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا صَارَ مَنْ يَحْضُرُ بِبَلَدِ الإِمَامِ مُتَوَلِّيًا لِعَقْدِ الإِمَامَةِ عُرْفًا لا شَرْعًا؛ لِسُبُوقِ عِلْمِهِمْ بِمَوْتِهِ، وَلأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلافَةِ فِي الأَغْلَبِ مَوْجُودُونَ فِي بَلَدِهِ[16].
 
الثاني: العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى:

يقول رحمه الله:

وَالضَّابِطُ فِي الْوِلَايَاتِ كُلِّهَا أَنَّا لا نُقَدِّمُ فِيهَا إلاَّ أَقْوَمَ النَّاسِ بِجَلْبِ مَصَالِحِهَا وَدَرْءِ مَفَاسِدِهَا، فَيُقَدَّمُ فِي الأَقْوَمِ بِأَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا، عَلَى الأَقْوَمِ بِسُنَنِهَا وَآدَابِهَا، فَيُقَدَّمُ فِي الإِقَامَةِ الْفَقِيهُ عَلَى الْقَارِئِ، وَالأَفْقَهُ عَلَى الأَقْرَأِ؛ لأَنَّ الْفَقِيهَ أَعْرَفُ بِاخْتِلالِ الأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ، وَبِمَا يَطْرَأُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ.

وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ الْوَرِعُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لأَنَّ وَرَعَهُ يَحُثُّهُ عَلَى إكْمَالِ الشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ وَالأَرْكَانِ، وَيَكُونُ أَقْوَمَ إذن بِمَصْلَحَةِ الصَّلاةِ. وَقَدَّمَ بَعْضَ الأَصْحَابِ بِنَظَافَةِ الثِّيَابِ؛ لأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُتَنَزِّهَ مِن الأَقْذَارِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَنْجَاسٍ أَنَّهُ يَتَنَزَّهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ؛ فَيَكُونُ أَقْوَمَ بِشَرْطِ الصَّلاةِ.
 
فإذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ لِلْقِيَامِ بِالأَيْتَامِ، قَدَّمَ الْحَاكِمُ أَقْوَمَهُمْ بِذَلِكَ وَأَعْرَفَهُمْ بِمَصَالِحِ الأَيْتَامِ، وَأَشَدَّهُمْ شَفَقَةً وَمَرْحَمَةً، فَإِنْ تَسَاوَوْا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَخَيَّرَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ الْوِلايَةِ، مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ وَاخْتِلافٌ يُؤَدِّي إلى تَعْطِيلِ مَصَالِحِهَا، وَتَعْطِيلِ دَرْءِ مَفَاسِدِهَا؛ لأَنَّ الْوِلايَةَ كُلَّمَا ضَاقَتْ قَوِيَ الْوَالِي عَلَى الْقِيَامِ بِجَلْبِ مَصَالِحِهَا وَدَرْءِ مَفَاسِدِهَا، وَكُلَّمَا اتَّسَعَتْ عَجَزَ الْوَالِي عَن الْقِيَامِ بِذَلِكَ.
 
كما لا يُقَدَّمُ فِي وِلايَةِ الْحَرْبِ إلاَّ أَشْجَعُ النَّاسِ وَأَعْرَفُهُمْ بِمَكَائِدِ الْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ مَعَ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ فِي الاتِّبَاعِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ وَاحِدَةً تَخَيَّرَ الإِمَامُ، وَلَهُ أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَيْ لا يَجِدَ بَعْضَهُمْ عَلَى الإِمَامِ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْجِهَاتُ صَرَفَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلى الْجِهَةِ الَّتِي تَلِيقُ بِهِ[17].
 
الثالث: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

يقول رحمه الله: وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب، فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. كما قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]. وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54].

وقال تعالى في صفة جبريل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19-21].
 
والقوة في كل ولاية بحسبها؛ فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب، والخادعة فيها؛ فإن الحرب خدعة، وإلى القدرة على أنواع القتال: من رمي وطعن وضرب وركوب، وكر، وفر.

ونحو ذلك؛ كما قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا". وفي رواية: "فهي نعمة جحدها"[18].
 
والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام. والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنًا قليلًا، وترك خشية الناس؛ وهذه الخصال الثلاث التي أخذها الله على كل من حكم على الناس، في قوله تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة؛ فرجل علم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار. ورجل قضى بين الناس على جهل، فهو في النار. ورجل علم الحق وقضى به، فهو في الجنة"[19].
 
والقاضي اسم كل من قضى بين اثنين وحكم بينهما، سواء كان خليفة، أو سلطانًا، أو نائبًا، أو واليًا، أو كان منصوبًا ليقضي بالشرع، أو نائبًا له، حتى من يحكم بين الصبيان في الخطوط، إذا تخايروا. هكذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ظاهر[20].
 
رابعًا: معايير الانتخاب أو الاختيار للمجالس النيابية والتشريعية والمحلية:

بعد هذا العرض لمعايير الانتخاب في الشريعة الإسلامية يمكن أن نضع شروطًا لمن نختاره نائبًا عنا في هذه المجالس، أو رئيسًا للدولة، أو مسئولًا كوزير أو محافظ أو رئيس جامعة وغير ذلك.
 
المعيار الأول: الأمانة:

والأمانة تطلق على كل ما عهد به إلى إنسان من التكاليف الشرعية وغيرها كالعبادة والوديعة، ومن الأمانة الأهل والمال.
 
ولذا فمرادنا بالأمانة هي المحافظة على كل ما يؤتمن عليه الإنسان من عبادات ومعاملات ووظيفة ومال عام، فمن أخل بوديعة منها كأن كان موظفًا مثلًا وسرق المال العام، فقد خان الأمانة.
 
المعيار الثاني: القوة:

وهي تحمل الإنسان لأعباء المهمة الموكلة إليه بقوة صحته وعافيته؛ لأن صاحب المرض لا شك سيؤثر تأثيرًا سلبيًّا على أداء المؤسسة التي يعمل بها، وخاصة إن كانت تحتاج إلى سفر ومشقة كالمجالس النيابية والتشريعية.
 
المعيار الثالث: العلم:

فلا بد من العلم برسالة المنصب الذي يترشح له، بأن يكون على علم برسالة المجلس النيابي أو التشريعي الذي ينوي الترشح لعضويته، وما هو الدور الذي يمكن أن يسهم في خدمة الوطن والمواطن.
 
المعيار الرابع: الخبرة السابقة والمشاركة في العمل السياسي والشعبي، أو العلم بها وفهمها واستيعابها.
 
المعيار الخامس: الإيمان بشمولية التشريع الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان، واحترام جميع الأديان السماوية.
 
المعيار السادس: حسن الخلق والتواضع والتواصل مع جميع أفراد الوطن المحيطين به في السراء والضراء.
 
وختامًا بعد هذا العرض الموجز لموقف الشريعة الإسلامية من هذا الأمر المتعلق بالانتخاب أو الاختيار يتضح لنا ما يلي:
 
1- أن الانتخاب أو الاختيار أمانة سيحاسب صاحبها عنها لماذا اخترت فلانًا دون فلان؟ إن كان لعصبية أو قرابة أو هوى أو مصلحة شخصية فإن الناخب حينئذ يعد خائنًا للأمانة ومضيعًا لها، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في علامات قيام الساعة: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة". قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"[21].
 
2- أن معيار الانتخاب والاختيار في الإسلام هو الأصلح والأكفأ للمهمة التي يرشح لأجلها، وليس معيارًا آخر كنسب أو علم أو صلاح ونحو ذلك.
 
3- أن معيار انتخاب الأصلح والأكفأ يسلم به جميع العقلاء مسلمين وغيرهم، ولكن بعض من جهلوا أحكام شريعتنا الغراء اعتقدوا أنها لا دخل لها في أمور الحكم والسياسة.
 
4- إن وضع مصرنا الحبيبة اليوم في حاجة ماسة إلى تأكيد هذا المعيار الشرعي لانتخاب الأصلح والأكفأ الذي سيسهم-بإذن الله تعالى- في أمن البلاد واستقرارها ومواصلة تقدمها ورفعتها، فعلًا وعملًا وليس قولًا أو شعارًا.
 
 [1] التفسير الكبير 1/482.
[2] الكشاف 3/184.
[3] تفسير القرآن العظيم 4/395.
[4] تفسير القرطبي 9/216، 217.
[5] تفسير القرآن العظيم 4/378.
[6] تفسير البغوي 6/202.
[7] تفسير النسفي 3/38.
[8] أخرجه مسلم وغيره.
[9] أخرجه الترمذي.
[10] سيرة ابن هشام 1/434.
[11] السيرة النبوية لابن كثير 3/351.
[12] أخرجه أبو داود وابن ماجه.
[13] السلم: الإسلام.
[14] أخرجه مسلم.
[15] الطبقات الكبرى 4/67.
[16] الأحكام السلطانية 1/4.
[17] قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/75.
[18] رواه مسلم.
[19] رواه أهل السنن.
[20] السياسة الشرعية 1/60.
[21] أخرجه البخاري.
[22] الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر.

الكاتب: الدكتور إسماعيل عبد الرحمن

المصدر: موقع قصة الإسلام